ترحيل الأفغان قسراً.. إيران تستغل ملف الهجرة للضغط على الغرب واحتواء الداخل

كورقة ضغط جديدة في لعبة التفاوض

ترحيل الأفغان قسراً.. إيران تستغل ملف الهجرة للضغط على الغرب واحتواء الداخل
ترحيل المهاجرين الأفغان من إيران

في غضون شهر واحد فقط، رحّلت السلطات الإيرانية نحو 450 ألف لاجئ أفغاني بشكل قسري إلى أفغانستان، في وقت يشهد فيه الداخل الإيراني توترات سياسية واقتصادية حادة، خصوصًا بعد التصعيد العسكري مع إسرائيل.

الخطوة التي وصفتها الأمم المتحدة بـ"المُقلقة" تثير مخاوف حقوقية وسياسية متزايدة، وسط تحذيرات من تداعيات إنسانية وأمنية على الداخل الأفغاني والمنطقة ككل.

ويرى خبراء في الشؤون الإيرانية والأفغانية، تحدثوا لـ"جسور بوست"، أن ترحيل هذا العدد الضخم في وقت قياسي لا يخلو من حسابات سياسية، إذ تسعى طهران -وفق تحليلاتهم- إلى توظيف ورقة اللاجئين كأداة ضغط على أوروبا، ملوّحة بقدرتها على فتح الحدود ودفع موجات الهجرة نحو القارة العجوز، في حال لم تُؤخذ مطالبها الجيوسياسية بعين الاعتبار.

كما اعتبر آخرون أن الخطوة تمثّل محاولة لـ"تفريغ داخلي" متعمّد، بغرض إشغال الرأي العام الإيراني بمشكلات معيشية جديدة، في ظل غياب الأيدي العاملة الأفغانية التي كانت تشكّل ركيزة في قطاعات الزراعة والبناء والخدمات.

من الاستضافة إلى الترحيل

وطالما استضافت إيران أحد أكبر تجمعات اللاجئين الأفغان في العالم، لكن تصاعد التوترات الإقليمية، لا سيما الحرب غير المباشرة مع إسرائيل، دفع طهران إلى تكثيف عمليات الترحيل، خاصة بحق غير الحاصلين على وثائق إقامة.

في نهاية مايو، أصدرت الحكومة الإيرانية قرارًا يُمهل الأفغان غير المسجلين حتى السادس من يوليو لمغادرة البلاد، وهو ما قد يؤثر على نحو 4 ملايين شخص من أصل 6 ملايين أفغاني تقول إيران إنهم يقيمون على أراضيها.

وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، عاد 449,218 أفغانيًا من إيران خلال الفترة بين 1 يونيو و5 يوليو، ليصل العدد الإجمالي للعائدين منذ مطلع العام إلى أكثر من 906 آلاف شخص، في وقت تعاني فيه أفغانستان من أزمات اقتصادية خانقة، وبطالة، وانهيار في البنية التحتية.

وتحدث عدد من العائدين عن تعرضهم لمضايقات وعمليات احتجاز ومصادرة أموالهم المحدودة، ما فاقم من وضعهم المعيشي. وأفادت الأمم المتحدة بأن نحو 40 ألف شخص كانوا يعبرون معبر "إسلام قلعة" في ولاية هرات يوميًا خلال بعض أيام يونيو.

أزمة إنسانية في هرات

وشهدت ولاية هرات الواقعة غرب أفغانستان تدفقًا كثيفًا للعائدين، ما شكل ضغطًا هائلًا على قدراتها المحدودة. وأفاد أحمد الله متقي، رئيس قسم الثقافة والإعلام في الولاية، بأن "أكثر من 300 ألف شخص دخلوا عبر معبر إسلام قلعة خلال 12 يومًا فقط".

وأوضح متقي أن يوم الجمعة الماضي وحده شهد عودة 38 ألف شخص، من بينهم 24 ألفًا تم ترحيلهم قسريًا، معظمهم من النساء والأطفال، في ظل غياب الحد الأدنى من مقومات الحياة والخدمات الأساسية.

في بيان لها، عبّرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن قلقها البالغ حيال تدهور الوضع الإنساني، مؤكدة أن الموارد المتاحة لم تعد كافية لمواكبة الأزمة. وقالت المفوضية: "فرقنا تبذل جهودًا حثيثة لتقديم المساعدة، إلا أن الموارد آخذة في النفاد. نحن بحاجة ماسة إلى دعم عاجل".

ودعت المفوضية المجتمع الدولي إلى الامتناع عن ترحيل الأفغان قسرًا، وحثت الدول المانحة على زيادة تمويل برامج الدعم والإغاثة، لتفادي مزيد من التدهور في بلد يعاني من فقر مدقع، وتحديات مناخية، وغياب الاستقرار السياسي.

رسائل سياسية لأوروبا

فيما تتواصل عمليات الترحيل القسري للاجئين الأفغان من إيران، تتصاعد التحذيرات الحقوقية والدولية من تداعيات إنسانية جسيمة، وقراءة سياسية تكشف عن أهداف تتجاوز البعد الأمني إلى ابتزاز خارجي وتسكين داخلي. 

قال المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإيراني، وجدان عفراوي، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن ما يُقدم عليه نظام خامنئي "يثير مخاوف حقوقية وسياسية كبيرة، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من اللاجئين الأفغان فرّ من بطش طالبان بعد عودتها للحكم في عام 2021".

وأضاف: "هذه الإعادة القسرية خلقت أزمة إنسانية حادة، في ظل تدهور الأوضاع داخل أفغانستان، وعجز حكومة طالبان عن استيعاب هذا التدفق".

ورأى عفراوي أن طهران تدرك حساسية ملف الهجرة داخل الاتحاد الأوروبي، وتسعى لاستخدامه كورقة ضغط في مواجهة التلويح الأوروبي بإعادة فرض العقوبات المرتبطة ببرنامجها النووي.

وقال: "ترحيل آلاف الأفغان يفتح الباب أمام موجات هجرة لا يمكن السيطرة عليها نحو الحدود الغربية لإيران، في رسالة سياسية حادة إلى أوروبا، مفادها أن النظام الإيراني لن يتوانى عن استخدام أوراق الضغط كافة في مواجهة التهديدات".

وشدد على أن ما تقوم به طهران "يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، وتحديدًا لمبدأ عدم الإعادة القسرية المنصوص عليه في اتفاقية جنيف، الذي يحظر إعادة اللاجئين إلى مناطق قد يتعرضون فيها للخطر"، داعيًا المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الترحيل وضمان الحماية الدولية لهؤلاء اللاجئين.

ورقة ضغط متعددة الاستخدام

من جانبها، اعتبرت المحللة السياسية المتخصصة في الشأن الإيراني، منى سيلاوي، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن النظام الإيراني يلوّح دائمًا بثلاث أوراق تهديد ضد أوروبا: المهاجرين، والإرهاب، والمخدرات.

وأوضحت سيلاوي أن النظام في طهران "يستغل اللاجئين الأفغان بأسوأ الطرق، سواء من خلال الضغط على الغرب، أو باستخدامهم في مهام خارج حدود البلاد، مقابل وعود زائفة بالإقامة والخدمات، دون أي ضمانات أو حقوق إنسانية".

وأكدت أن "النظام الإيراني أدمن انتهاك حقوق الإنسان في ملف المهاجرين، ويتعامل مع الأفغان كأداة وظيفية تُستخدم وقت الحاجة"، داعية المجتمع الدولي إلى محاسبة طهران على هذه الانتهاكات الجسيمة.

أزمة لإجهاض الثورة

على الجانب الآخر، قدم الخبير الباكستاني في الشأن الإيراني والأفغاني، الدكتور نور محمد، قراءة مغايرة، إذ يرى أن الهدف الأساسي من ترحيل اللاجئين لا يرتبط فقط بالضغط الخارجي، بل بصناعة أزمة داخلية متعمّدة لتشتيت الداخل الإيراني ومنع أي حراك ثوري.

وقال محمد لـ"جسور بوست": "إيران كانت تتلقى دعمًا أمميًا مقابل استضافة اللاجئين، لكن بعد توقف هذا الدعم، لجأ النظام إلى خلق أزمة داخلية عبر تصعيد اللهجة العنصرية ضد المهاجرين، بهدف إشغال الشعب بهموم أخرى غير الوضع السياسي".

واستبعد الدكتور نور محمد أن يكون الهدف من هذه الإجراءات الضغط على أوروبا، موضحا أن الطريق إلى القارة العجوز يمر عبر تركيا، التي أغلقت حدودها أمام القادمين من إيران، وبالتالي فإن الاستخدام السياسي للمهاجرين يوجَّه هذه المرة نحو المفاوضات الأمريكية-الإيرانية لا الأوروبية.

وأشار إلى أن "المهاجرين الأفغان يعملون في إيران في وظائف شاقة، وغيابهم أحدث فراغًا كبيرا في سوق العمل، لكن النظام يفضّل هذه التكلفة على ترك الشعب يلتفت للأزمات الحقيقية، خصوصًا في هذه المرحلة الحساسة".

وأكد في ختام تصريحه أن "الأزمة الحالية صناعة إيرانية خالصة، تهدف إلى تأمين الداخل وفرض معادلات جديدة في المفاوضات القادمة مع واشنطن".

في ظل هذا المشهد المعقد، تتحول قضية اللاجئين الأفغان في إيران من أزمة إنسانية إلى أداة سياسية متعددة الأوجه. وبينما يدفع آلاف الأبرياء ثمن الصراعات الإقليمية والتجاذبات الدولية، يبقى المجتمع الدولي مطالبًا بموقف أكثر حسمًا، لا يكتفي بالإدانة، بل يضمن الحماية الفعلية لهؤلاء الضعفاء، ويضع حدًا لاستخدامهم كورقة مساومة في لعبة المصالح.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية